لا شك أن التركيبة السكانية لأي بلد تعتبر من الموضوعات المهمة جداً والتي تعطى أولويةً مطلقةً على الكثير من الموضوعات الأخرى، وذلك نظراً لارتباطها المباشر بالأبعاد الاجتماعية والثقافية والتعليمية والتربوية والحضارية والسياسية والاستراتيجية والاقتصادية والأمنية. ويقصد بالتركيبة السكانية الهيكل العام للسكان (أي العدد الإجمالي للسكان، ونسبة المواطنين إلى إجمالي السكان، ونسبة الوافدين ثم نسبة كل جنسية، ونسبة الذكور، ونسبة الإناث، ونسبة كل فئة عمرية، ونسبة الخصوبة والزيادة الطبيعية، ونسبة الهجرة والزيادة غير الطبيعية، ونسبة المتعلمين، ونسبة الأمية، وهلمجرا). ورغم أن موضوع التركيبة السكانية يدخل مباشرةً في علم السكان، إلا أن أهميته وارتباطه بالأبعاد التي ذكرناها جعلت منه علماً مهماّ لكافة العلوم الاجتماعية، حيث إن التخطيط الاقتصادي لا يمكن أن يكون صحيحاً ودقيقاً إلا إذا كان مدعماً بالإحصاء السكاني الصحيح.
وإذا ما ذكر مصطلح التركيبة السكانية في دول الخليج العربية بشكل عام وفي دولة الإمارات بشكل خاص فإنه يعنى به نسبة الوافدين من إجمالي السكان. حيث إن المعتاد هو أن تكون نسبة الوافدين أقل من 50% من إجمالي السكان. بيد أنه في كافة دول الخليج العربية نجد أن نسبة الوافدين دائماً تفوق 50%، باستثناء السعودية وعمان اللتين تصل فيهما نسبة الوافدين حوالي 30% من إجمالي السكان. أما بالنسبة للقوة العاملة فنجد أن القوة العاملة الوافدة دائماً تفوق 60% من إجمالي القوة العاملة في كافة دول الخليج العربية دون استثناء. ويعتبر الوضع في دولة الإمارات الأسوأ حظاً ما بين كافة الدول الخليجية، حيث تفوق نسبة القوة العاملة الوافدة 90% من إجمالي القوة العاملة. وبالتالي فمهما سقنا من مبررات وحجج لتبرير وتفسير هذه الظاهرة السلبية سوف تكون تلك الحجج والمبررات واهيةً ومدحوضة أمام أولوية المصلحة العامة، حيث إن الرد سيكون لماذا لا يكون حالنا، على أسوأ تقدير، مثل الكويت وقطر؟ لماذا يكون حالنا أسوأ منهم جميعاً؟.
أعتقد في تصوري أن السبب الرئيس والمباشر في هذا هو التركيبة السياسية للإمارات ووجود دوائر وهيئات حكومية محلية ومرافق عامة محلية إلى جانب الاتحادية، حيث إن هذا الجانب هو الجانب الرئيسي الذي تتسم به دولة الإمارات دون سائر البلدان الخليجية. ولا شك أن تلك الدوائر والهيئات المحلية تستقطب أعداداً مهولةً من الأيدي العاملة الوافدة تقدر بحوالي 18% من إجمالي القوة العاملة الوافدة وحوالي 15% من إجمالي القوة العاملة. فضلاً عن دخول السلطات المحلية بثقل ونفوذ سياسي كبير وتأثيرها على سياسات كل من وزارة الداخلية ووزارة العمل فيما يخص سياسات الهجرة والتأشيرات. بالإضافة بالطبع إلى العوامل الأخرى غير التي سنذكرها لاحقاً.
وبنظرةٍ فاحصةٍ نجد أن قطاع الحكومة الاتحادية يستحوذ على حوالي 20% من إجمالي القوة العاملة الوافدة، وقطاع الحكومات المحلية حوالي 18%، وباقي مؤسسات القطاع العام (تشمل المؤسسات التي تهدف إلى الربح) حوالي 9%، والقطاع الخاص حوالي 42%، والقطاعات الأخرى (تشمل الأفراد) حوالي 11%. بالطبع لا يستطيع المرء أن يجزم بدقة البيانات إلا بإجراء تعداد سكاني عام، بيد أننا لو تمكنا بالفعل من الاستفادة من تكنولوجيا الحاسب الآلي وقمنا بعمل شبكة حاسب آلي لكافة المرافق العامة للدولة وربطناها بمركز إحصائي اتحادي فإننا لن نحتاج إلى إجراء تعداد سكاني كل 10 سنوات، وذلك لأن الإحصاء السكاني حينئدٍ سوف يكون متوفراً لدى المركز الإحصائي ومخزناً على الكمبيوتر. ولا أعتقد أن المسح الميداني للسكان (أي التعداد) سوف يكون حينئدٍ أكثر دقةً من المعلومات الواقعية المخزنة في الحاسب الآلي، إذا ما كانت الإجراءات والأنظمة الإدارية والإحصائية والكمبيوترية التي تتدفق من خلالها الإحصائيات إلى الجهاز المركزي للإحصاء والمعلومات دقيقة ومتقنة. وقد نحتاج حينئدٍ إلى مسح ميداني للسكان ربما كل 50 سنة كتدقيق وتدعيم للبيانات المتاحة.
والحقيقة أن نظام الهجرة في الإمارات لا يسمح لأي إنسان بالدخول إلى أرض البلد إلا بعد التأكد من غرض دخوله. فإذا كان دخوله للعمل فلابد له من رب عمل يكفله، أي أنه من الناحية القانونية لديه فرصة عمل متاحة. وإذا كان دخوله للزيارة فلابد لجهة ما من أن تتولى مسؤولية زيارته وتحدد له مدةً معينة، وحتى وإن كانت زيارته لأجل السياحة والترفيه، فلابد من وجود شركة أو مكتب للسياحة يكون مسؤولاً عن زيارته ويتعهد بالتالي بخروجه من الدولة بعد انتهاء المدة المحددة لزيارته. هذه صورة مثالية ونظام دقيق لما يجب أن يكون.
ولكن الواقع يقول غير ذلك. حيث إن هذا النظام مجروح في كثير من جوانبه ومخترق في كثير من مواضعه وأنظمته وإجراءاته الإدارية عند التنفيذ. فكل إنسان سواءً أكان مقيماً أو زائراً يلاحظ المئات، بل الألوف من الوافدين الذين يجوبون الشوارع والأسواق دون عمل، وهناك العديد من المحلات التجارية المستأجرة والتي